العولمة

بسم الله الرحمن الرحيم



الفكرة البحثية: -

استهدفت الدراسة توضيح مفهوم العولمة ، وبينت أن العولمة ليس لها تعريف موحد وشامل ، وأنها ظاهرة معقدة وأثرت في دول العالم أجمع ، وللعولمة أثار إيجابية وسلبية على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية . وتطرقت الدراسة الى المرتكزات التي تعتمد عليها العولمة .

المـــقـــدمـــــة :-

أصبحت العولمة هي الشغل الشاغل لمعظم مفكري هذا العصر , فمنهم من أيد العولمة ودافع عنها ومنهم من وقف ضدها وهاجمها بشتى الوسائل والطرق .

وقد وجدت الكثير من التعريفات للعولمة منطلقة من وجهة نظر كاتب هذا التعريف سواء أكان من المؤيدين للعولمة أو المعارضين لها .

ولكن الشيء الذي يجب أخذه بالحسبان أن العولمة ليست سيئة مطلقاً ولا جيده مطلقاً ، إنما هناك إيجابيات وسلبيات لأي نظرية أو مفهوم إنساني .

العولمة مصطلح معاصر استعمله الباحثون في مجال الاقتصاد ، والسياسة ، والأدب ، والثقافة ، والاجتماع، وتزخر المطبوعات بتعاريف متعددة للعولمة منها :

ومن الملاحظ إن مصطلح العولمة أضحى حديث هذا القرن و يظهر في الخطابات السياسية وفي وسائل الأعلام المختلفة وأصبح حديث هذا العصر الذي أصبحت أهم ملامحه تحجيم دور الدولة وتحويل العالم إلى قرية صغيره بفضل التقدم التكنولوجي والاتصالات. هذا التحول الذي يجب أن لا يطال الهوية القومية والتاريخ والإرث الحضاري والثفاقة المميزة لدول العالم وشعوبه ... وهذا ما يؤرق المعارضين للعولمة حيث يخشى هؤلاء بان تصهر العولمة كل هذه الأمور وتصبح الدولة بلا هوية. مع العلم انه من الممكن أخذ ما هو مفيد من العولمة وما رافقها من تقدم تكنولوجي وفي مجال المعلومات والاتصالات ويجب ترك ما هو ضار من العولمة – كما فعلت اليابان التي أصبحت واحدة من أقوى دول العالم حيث أخذت ماهو مفيد وحافظت على هويتها.

العولمة فكرة ليست وليدة اليوم أو الأمس ، ولكنها ظاهرة قديمة قدم الإنسان على سطح الأرض ، ولكن الكثير يخلطون بين مصطلحين ، الأول هو العالمية والثاني هو العولمة ، رغم الفارق الشاسع بينهما ، فالعالمية تعنى التطلع إلي نقل الخاص إلي المستوى العالمي ، أما العولمة تعنى احتواء للعالم وفرض الهيمنة والسيطرة ومحو الخصوصية والذاتية ، وأيا كان الأمر فمن أكثر الأمور مدعاة للإثارة والدهشة أن العولمة أحدثت نقلة هائلة في مجال كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر بأننا موجودين في قرية كونية واحدة ، كما أنها كانت العامل الرئيسي وراء تشكيل السمات الجديدة لهذا العصر والمتمثلة في التفجير المعرفي وظهور التكنولوجيا الحديثة وسهولة الانتقال والاتصال ومعظم التطورات المختلفة لجميع مجالات الحياة ، بل وأصبح جيل العولمة حاليا جيل مختلف بحق بفضل العولمة ، مختلف في تفكيره وطرائق عيشه وتعامله ، بالإضافة إلى ذلك فلقد أسهم الفكر الخلاق للعولمة في إنشاء بنية ثقافية محلية في حالة تزاوج تام مع ثقافة العولمة تستطيع التفاعل مع مستجداتها ، كما أنها أعطت للمواطنين الفرصة لتبادل المشاركة الوجدانية والعاطفية والفكرية مع بعضهم البعض من جانب ، ومع المجتمعات الأخرى من جانب آخر، وإن كان الإسهام لم يصل إلى المستوى المأمول بسبب التراكمات الثقافية المتعلقة بوجهة النظر في الآخر ، ورغم ذلك فقد أتاحت العولمة لكل إنسان تقريبا الحصول بواسطة الإنترنت والبث الفضائي على المعلومات التي كانت محجوبة عنه إلى عهد قريب ، كما مكنته من تبادل الأفكار والمعلومات مع المجتمعات المتقدمة بشكل لم يسبق له مثيل وكان من شأن هذا أن يكسر الحواجز الذاتية التي كانت تكبل الإنسان عن المبادرة والإبداع وان يحطم أصنام وحواجز الرهبة والجبن والخوف الذي استبد به ومنعه من التفكير في حقوقه والمطالبة بها ومنعه من التفكير فيما يجب أن يكون عليه الحال في شتى جوانب حياته وحياة بني وطنه وكان ذلك هو بداية الطريق نحو التقدم الفكري الحقيقي

ويمكن القول أن العولمة ظاهرة كبرى مركبة وشديدة التعقيد ، وتتسم بالتناقض والديناميكية وذات تأثير مزدوج : سلبي وإيجابي على أبعاد الحياة الرئيسية اقتصاديا، ثقافيا ،قيمياً ،اجتماعياً ،ترفيهياً ،علمياً ،تكنولوجياً ،تشريعياً وفنياً ، ويبرز فيها البعد الاقتصادي والثقافي أكثر من غيرهما ، بسبب مساسها المباشر بحياة الناس وتأثيرهما الأكبر بوسائل الإعلام والاتصالات . ( رشيد 2000 )

*مشكلة الدراسة :-

تكمن مشكلة الدراسة في تحديد كيف تستطيع البلاد العربية ومنها الأردن الاستفادة من العولمة وأخذ ما هو مفيد منها وترك ما هو ضار حتى لا نخسر هويتنا، إرثاً تاريخياً وديننا وفي نفس الوقت مواكبة العالم الغربي اقتصادياً وفكرياً وتكنولوجيا وتربوياً.



* أهداف الدراسة :

تهدف الدراسة إلى :

- تعريف مفهوم العولمة

- اثر العولمة في النظام التربوي .

- تحديد المزايا والمخاطر للعولمة على الدول النامية.

- عرض الأردن كنموذج للدول النامية وأثرالعولمه عليها .



*أهمية الدراسة :-

تأتي أهمية الدراسة لتوضيح مفهوم العولمة من وجهات نظر مختلفة ، وكذلك تحديد أثار العولمة على النظام التربوي، مع ذكر مزايا ومخاطر العولمة بحيادية ، وكذلك النظر إلى وضع الدول النامية واثر العولمة عليها بأخذ الأردن كنموذج على ذلك ما يشكل اطاراً مرجعياً يستند عليه الباحثيين والاداريين في أعمالهم .

الأدب النظري:-

*تعريف العولمة :-

وردة عدة مصطلحات مرادفة للعولمة ومنها :- الكونية والشمولية والأمركة والخصخصة وغيرها من المسميات , ولكن في البداية يجب تعريف العولمة التي اختلف حول مفهومها كل من كتب في هذا المجال.

فمنهم من فرق بعضهم بين العالمية International" " والعولمة " Globalization" وعرف العولمة على أنها : وضع الشيء على مستوى عالمي ، أو تصميم خاص وطني ليصبح عالمي ، أوهي مسعى لإزالة الحدود والموانع مابين الدول للسماح بحرية تبادل بين الأفكار والأموال والسلع دون قيود تفرضها السيادة الوطنية والخصوصية القومية . (ابراس 2006 ).

وقال بعضهم أن العولمة تشير الى علاقات القوى والاقتصاد الذي يمتد عبر العالم بما ينطوي عليه من ضغط للزمان والمكان واعادة تكوين العلاقات الاجتماعية نتيجة تحرير السوق العالمي وظهور طبقة جديدة من السلع الثقافية وتكنولوجيا المعلومات ( سكلر 1996)

وعرفها (الكفري –2005) على إنها: إشاعة قيم ومعايير إنسانية تتفق وتطلعات أمم الأرض وشعوبها نحو العدالة والحرية والسلام والاستقرار والتكافؤ في العلاقات الدولية .

- العولمة: هي العملية التي من خلالها تصبح شعوب العالم متصلة ببعضها في كل أوجه حياتها ، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتقنيا وبيئيا .

ومن هذه التعريفات، يمكن تلخيص العولمة في ما يلي: كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر بأننا موجودين في قرية كونية Global Village ، فان ما يحصل في بقعة ينتشر خبره في البقعة المجاورة وكل ما يحدث في جزء يظهر أثره في الجزء الآخر .



العولمة هي التدخل الواضح في أمور الاقتصاد ، والاجتماع ، والسياسة ، والثقافة ، والسلوك ، والتربية , دون اعتداء يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد ، أو لدولة معينة ، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية .

والعولمة كمصطلح ومفهوم حديث الظهور منذ نهاية القرن العشرين ، وكان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في نهاية الثمنينات وبداية التسعينات من القرن السابق وحلول الرأسمالية العالمية والتي تمثلها الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية .

والعولمة هي عملية تاريخية ، كنتيجة لإبداعات الانسان والتطور التكنولوجي ، تمثل زيادة التكامل الاقتصادي بين دول العالم من خلال التجارة وتدفق رؤوس الأموال والقوى العاملة والمعلومات عبر الحدود ، كما أن لها أبعاد ثقافية وسياسية وبيئية ... الخ وتمتد لتشمل العالم أجمع . ( IMF Staff 2002 )

وتجدر الإشارة أن اثر العولمة ليس اقتصاديا فقط وإنما انفتاح بشتى مناحي الحياة اقتصادية سياسية، اجتماعية، فكرية و تكنولوجية وبالتالي فأثارها ليست جزئية وإنما كلية على الفرد والمجتمع و الدولة وتؤثر العولمة على الهوية الوطنية وثقافة الأمة وحضارتها وتاريخها وتحويلها إلى النظام الغربي الرأسمالي أو ما يطلق علية ألان " الأمركة " وبالتالي أن سبب التخوف من العولمة هو أنها تهدد الحدود الوطنية والقوميات وجعله عالمياً دون سيادة كما تجعل العالم سوق مفتوحة , وحرية انتقال الأموال والثقافات والاتصالات والتكنولوجيا دون قيود وتحول العالم إلى قرية صغيرة . وهذا ما تسعى إلية الدول المتبنية للعولمة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لأنها الأكثر استفادة من ذلك

ولكون العولمة ليست اقتصادية فقط فإن ذلك يزيد التخوف من تبعاتها لان هذا سيؤدي إلى التأثير في سياسات وكيانات دول قائمة وكذلك حضارات وثقافات ممتدة عبر التاريخ وبذلك تتاح الفرصة للقوي للاستفادة أكثر فالعولمة مثلاً تؤثر على اقتصاديات الول العربية لطبعها ( نامية من العالم الثالث ) , ويؤثر عليها ثقافياً وحضارياً وتهدد هويتنا الثقافية والحضارية والفكرية المستمدة من الدين الإسلامي وكذلك تؤثر على الكيانات السياسية المختلفة بإزالة بعضها ودعم البعض الأخر وإيجاد أنظمة سياسية لم تكن موجودة سابقاً لخدمة الدول الأقوى وذات التأثير الأكبر.



والعولمة تأخذ طريقين:



الأول : التسلط الثقافي في محاولة لإذابة الثقافات الأخرى وحضارتها ضمن الثقافة الجديدة"



الثاني : السيطرة الاقتصادية من خلال فرض آليات تعامل معينة ضمن بقاء الاستهلاك التجاري لصالح الشركات التجارية والدول العملاقة

العولمة في النظام التربوي

بروز ظاهرة العولمة يؤثر في ميدان التعليم كما يؤثر في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ذلك أن النظام التربوي التعليمي مرتبط بالعولمة ويحتكم إلى عملية التأثير من خلال تفاعله مع البيئة المحلية امتدادا إلى تأثير النظام العالمي على أنظمة المجتمع الواحد من خلال التغيرات العالمية في عالم السياسة والاقتصاد والتطور التكنولوجي والحضاري.

وفى التربية والتعليم فالعولمة اصطلاح جديد ذو معنى شامل يتضمن في جوهرة الانتقال من المجال الوطني أو الإقليمي المحلى إلى المجال العالمي الكوني ، وبعبارة أخرى الانتقال إلى مجال المطلق المكاني والمطلق الزمانى والمطلق البشرى ، وبموجب هذا التوجه إلى المطلق بنوعياته الثلاث تحتم على التربويين إجراء مجموعة من التجديدات في منظومة التربية والتعليم لمواجهة مطالب هذا المجال المطلق وتتمثل تجديدات في السياسة التربوية تجديدات في الإدارة التربوية تجديدات في البنية التعليمية, تجديدات في المناهج وطرق التدريس, تجديدات في الوسائل التعليمية, تجديدات في التعليم المستمر

وبما أن النظام التربوي التعليمي نظام مفتوح يتأثر بمجمل التغيرات المختلفة التي تحدث في العالم وهذا التأثير ينعكس على جميع عناصر النظام مدخلات وعمليات ومخرجات والإدارة يعول عليها في تحسين العملية التربوية ومن صلب أهدافها جعل النظام التعليمي متكيفا مع متطلبات العصر، لا شك أن العولمة تحمل في طياتها أثارا على ما هو قائم حاليا ومنها ما يكون تأثيره مستقبلا يرسم معالم الغد وانعكاساتها قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية ولكننا حتى الآن لم نرَ أثارها بوضوح كامل لان حركة العولمة لم تكتمل بعد فواصل تطبيقها.





تؤكد كثير من الدراسات إلى ضعف أداء المؤسسات التربوية والتعليمية العربية في إعداد المعلمين وتأهيل الفتيات والشباب ثقافيا وتربويا ولذلك تمت إعادة النظم التعليمية وتغيير المناهج لإنتاج نفسها وتساير التطور المعرفي والحضاري للعولمة التي تجري سريعا حيث لم يعد التعليم التقليدي هو المصدر الوحيد للعلم والمعرفة ولم يعد المعلم هو الناقل لها فقط هناك مصادر متعددة للأدوات المعرفية علينا أن نتهيأ ونهيأ لها ونهيئ أبناءنا لها.والعولمة تعني الهيمنة وتمثل مرحلة ابعد من النظرة الأوروبية السابقة التي ترى أن التاريخ ينتهي في التاريخ الأوروبي وان الحضارة الغربية هي قمة تطور البشرية والعولمة تعني الأمركة والهيمنة الأميركية ونمط الحياة الأميركية اليوم في اللباس والأطعمة السريعة وغيرها من السلع الاستهلاكية.إن العولمة منهج تربوي أميركي الشكل والمضمون وفي ظل العولمة تعدد المصادر والأدوات المعرفية وعلى المتعلم أن يهيئ عقله لتقبل هذه المعارف وتتألف المعرفة وأساليبها في المستقبل من الأبعاد التالية:

1. تكوين الإنسان الكلي وهو ما تؤدي إليه العملية التعليمية من إظهار وإيضاح قدرات واستعدادات المتعلم الجسمية والنفسية والاجتماعية والعقلية.

2. الشمولية في المعرفة: ويقصد بها معرفة المضامين والمفاهيم للمعارف الإنسانية التي تتألف من التربية الروحية والأخلاقية واللغات والتربية الاجتماعية والتربية التقنية، ويتطلب الشمول المعرفي التركيز على قيمة كل نظام معرفي ومناهجه العلمية التي يتم وضعها من مقررات التعليم وضده المفاهيم والمناهج العلمية والمنطقية التي تتضمنها تلك المقررات هي التي تكون العقلية المعرفية والنضوج العلمي لمعالجة مسائل الكون والحياة.

3. تنمية التفكير والقدرات العقلية: إن المعرفة في ضوء العولمة والمعلوماتية تهدف إلى نمو التفكير العلمي في كل اتجاهاته ومناهجه وأثاره والتنمية هي مفتاح التعامل العلمي مع الحياة وذلك لما تزخر به الحضارة من منجزات علمية وتكنولوجية.

4. توظيف الأساليب ومصادر المعرفة: فالعملية التربوية لا تهدف في ظل العولمة إلى حفظ المعلومات وتذكرها فقط ولكن العملية التعليمية تدور حول مهارات المعرفة العلمية في طرائق التدريس وإيصال المعلومة وانفعاله بها وفهمه وتساؤلاته ويستطيع أن ينظم ويفسر ويوظف المعلومات العقلية كالتصنيف والتبويب والتأمل والنقد واكتساب روح المغامرة واحتمال التجربة والخطأ وحل المشكلات ويعتمد التوظيف الفعال لإتقانه في التعلم والتعليم عبر شبكات الانترنت على تأسيس صورة ذهنية علمية لمصادر المعرفة في محيط المدرسة والجامعة ودوائر البحوث العلمية.وللعولمة أثارها الثقافية والاجتماعية المدمرة لأنها تهمل الأبعاد الاجتماعية والإنسانية وزيادة التفكك الاجتماعي وهي تقوم على صياغة ثقافة عالمية واحدة هي”ثقافة السوق “ ونحو الخصوصية الثقافية لشعب من الشعوب وقطع وصل الأجيال الحديثة بتراثها وجذور حضارتها وما فيها من التركيز حتى النجاح الفردي وجمع الثروة وإضعاف الثقافة الوطنية لان الدور العلمي للعولمة يتناول المشتركات في الحضارة العلمية ولا يهتم بخصوصيات الوطن والمجتمع، إن ثقافة العولمة قائمة على الغزو والفرض والضغط وهذا يمكن أن يؤدي إلى كارثة بفعل الهيمنة التي تقودها أميركا التي تؤدي إلى توحيد الثقافات في قالب واحد هو بكل المعاني كارثة إنسانية، إن التنوع الثقافي والتربوي هو دليل على قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف والبيئات المختلفة، إن تحقيق الرفاه والتقدم والنمو لا يمكن بلوغه إلا بالمحافظة على التنوع المبدع وإثرائه وإن ديمومة الجنس والنمو لا تتحقق إلا على أساس التنوع الثقافي، وقد يؤدي الفكر الأحادي للعولمة المهيمن اليوم والذي يستند إلى منطق السوق باعتباره المتحكم والمفسر لكل شيء وهذا الفكر يقودنا الى عولمة ليبرالية تستند إلى ثلاث قواعد:

- سلطة السوق.

- سلطة المؤسسة الإنتاجية.

- سلطة رأس المال.

مع القاسم المشترك لهذه السلطات هو الربح وكمية المال المتحكم فيها وهذا التحكم يعتمد على القوة مع القانون فالضعيف هو المحروم من الكسب المالي وهو ينازع الكاسبين وهو المطالب بعدالة توزيع المكاسب على الدوام.

وطالما أن العولمة الليبرالية التي تعتمد على السوق ومنطق الربح وتشئي كل الأشياء من البضاعة إلى الأدوات والأفكار لذا فلابد من الانتباه إلى أن المرافق والخدمات والمنتجات الثقافية لا يمكن اعتبارها من البضاعة الاستهلاكية للإنتاج الفكري بعدا يتحمل في طياته هوية وقيم ومعاني منتجيها وان الإنتاج يستهدف الفعل والروح لذلك لابد من حماية هذه الأبعاد خلال سياسة ثقافية محفزة للإبداع والتجديد ضمن حرية كاملة لتنقل الأفكار والأعمال والآثار الثقافية ،لا يمكن تطبيق قواعد التجارة على المنتجات الثقافية لأنها منتجات لها خصوصية تحمل في طياتها قيما رمزية وأفكارا وأنماط حياة تمثل هوية جماعية وبيئية حضارية معينة وتؤثر على التطبيقات والاستعمالات الثقافية لذلك ترى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ”الالكسو “ أن قطاعي التربية و الصحة من المرافق العمومية التي لا يجب أن يطالها منطقا الربح والسوق، لذلك أخضعت اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة والخدمات(GATS) قطاعي التعليم والصحة للخصخصة وترى منظمة الالكسو الانتباه إلى خطورة هذه الخصخصة وتحويل الأدوات التربوية والصحية إلى جملة من البضائع تتحكم فيها قوانين العرض والطلب جاعلين من الربح الهدف المنشود عوضا عن مساعدة البشرية للقضاء على الجهل والأمية والمرض لذلك تهدف العولمة أن تحظى الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة على العالم لأنها تمتلك القوة والتقنية، والعولمة جزء مهم للهيمنة وتنميط الناس وجعلهم منشغلين بالربح بدلا من الانشغال بالقيم النبيلة والقيم الإنسانية العليا، فمجتمع العولمة الرأسمالي يكرس أفكارا تربوية في عقول الأجيال ويؤكد على قيم الربح ومقدار ما يحقق الإنسان من أرباح فهي مصدر سعادته ونجاحه حتى تصبح ظاهرة الربح ظاهرة سلوكية لا يمكن الفرار منها. فنماذج السلوك والثقافة الأميركية يخترق التربية ويستغل العلم والمعلومات والتقنيات الحديثة وأجهزة الإعلام من خلال الشركات العملاقة إلى فرض النمط التربوي الأميركي وأمركة مظاهر الحياة وسلوك الفرد وحتى التقاليد والألعاب والفنون ونمط الأكل والملبس والمسكن.

لذلك تؤثر ظاهرة العولمة في المجال التربوي في عدم التعامل مع الغيبيات وما تؤكد عليه الأديان لان العولمة ترى أن الغيب لا يقوم على تفكير مادي، وتكرس العولمة الفوارق الكبيرة بين الدول الغنية والدول الفقيرة والنامية وتؤدي إلى زيادة البطالة والحروب والتكتلات الاقتصادية وسيطرة الاتجاهات النفعية وانتشار الأمية وكذلك تؤدي إلى ضعف الفلسفة التربوية والأهداف لكل امة وبلد معين لان له خصوصيته وفلسفته وهكذا فأثار العولمة في الجانب التربوي والتعليمي هي من اخطر سلبيات العولمة في المجال العربي الإسلامي.

وللتمكن من التكيف مع واقع العولمة والتفاعل مع تأثيرها في العصر الحاضر وخصوصاً من الناحية التربوية ، لا بد من إدراك من التخطيط الجيد الذي يتسم بالآتي :

1. الابتعاد عن التعصب والفكر المغلق ، لأننا نملك شريان حضاري وثقافي مركزي لا بد إن تتمثل فيه التعددية والشفافية والانفتاح المعاصر.

2. تنمية التفكير بوسائل تربوية متطورة تتلاقى مع روح العلم والتفكير النقدي وحرية الرأي والتحرر من رواسب الماضي العقيم والحفاظ على ثرواته الحضارية والدينية والثقافية...

3. الحاجة إلى تفكير جديد يعمل على إنتاج تاريخ جديد وتشريع جديد وتعليم جديد ومنهج جديد وذلك من خلال تشكيل منظومة تربوية وتعليمية موحدة ومتحضرة لها القدرة على الحركة والتفاعل مع الآخرين على اختلاف ثقافاتهم وأفكارهم .

4. وضع سياسات تربوية راسخة وليست شعارات وهمية خاوية تجاه الغزو بأنواعه المختلفة الثقافية والأخلاقية من خلال بلورة إستراتيجية تربوية داخلية تسمح للمجتمع بعدم الرفض المطلق للعولمة أو القبول المطلق لها ، بل الاستفادة من إيجابياتها وتحجيم إفرازاتها ومخاطرها وسلبياتها.

5. تهيئة المواطن لمواجهة العولمة وفق منظومة قيمية أخلاقية متكاملة وإحداث التفاعل بين التراث القومي والحاجات المعاصرة والانفتاح إلى الأنظمة التربوية العالمية بطريقة هادئة وعلمية وواعية وناضجة.

6. فتح قنوات الاتصال مع مختلف الفئات والشرائح والتوجهات السياسية والحزبية بالمجتمع لإمكان تحقيق الديمقراطية الحقيقية تضم كل تيار سياسي أو ديني أو فكرى مع القبول بالحد الأدنى من التنازل من أجل الصالح العام والواقع الراهن والمصير الواحد.

7. الاهتمام بالعقول والكفاءات التربوية ومحاربة هجرتها وكسب رضاها وتوفير الفرص والحوافز أمامها للعمل وللتطوير وتشجيع وتنمية الفكر الإبداعي في التربية من خلال خلق الوسط العلمي وتطوير بيئة البحث (الموارد البشرية ، المادية ، التفاعل المهني ، التواصل الاجتماعي....)

8. مواكبة التطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوظيفها بفعالية مع بناء استراتيجيات متكاملة لإدارة المعرفة والأيمان بحتمية وضرورة التغيير كقاعدة للتطوير.

9. إحداث التغيير المطلوب في منظمة التعليم وفق إستراتيجية متكاملة تهدف إلى مواكبة التطوير المستمر تقوم على الاهتمام بالتعليم المبني على الأداء الوظيفي الحقيقي الفعلي والتركيز على إتقان المتعلم لما تعلمه وتفعيل ثقافة الإنجاز والتنمية.

10. الاهتمام بالتطوير الكيفي لمناهج التعليم ، من أجل تحقيق تعلم فعال ينمي التفكير ويرعى الموهبة ويدعم ويعزز الإبداع.

11. النظر إلى التعلم على انه أحد أبرز مدخلات المستقبل والتقدم وهذا لا يتم إلا من خلال تعليم منتج ذو جودة عالية وثيق الصلة بمتطلبات التنمية وبحث علمي أكثر رصانة ومعلمين على درجة عالية من الكفاءة رفيعي المستوى الأكاديمي والمهني والثقافي والأخلاقي.

12. إعادة النظر بالنسبة للمعلم حيث يتم التركيز على كيفية اختياره وإعداده وتأهيله وكيفية رفع مستوى معيشته وصولاً به إلى الرضي الوظيفي حتى يتفرغ للتعلم وللتعليم مدى الحياة.

13. الانفتاح على ثورات العصر (المعلومات ، الاتصالات ، التقنيات ، الإعلام) بشخصية ثقافية مؤهلة تحسن وتتقن التعامل مع أدوات العصر الراهن ومؤهلة علميا وتربوياً وتقنياً.

14. الاهتمام أكثر بالإدارة التربوية التي أصبحت علماً له فلسفته وأصوله وقواعده وأساليبه وطرائقه وممارساته التي هي أساس تطوير التعليم وإعادة النظر بواقع الإدارة التربوية الحالية.

15. يجب أن تهتم منظومة التربية والتعليم الحالية والمستقبلية بالفردية والجماعية والتفاعلية وتؤمن التفاعل المستمر والتغذية الراجعة مع استخدام كل النظريات العلمية الحديثة في المعرفة ، لأن المستقبل ليس ذو اتجاه واحد بل هو عبارة عن وجوه متعددة.

وأخيرا : إن العالم يتوجه بشكل أسرع وأعمق مما يتصور للعولمة خاصة في السنوات الأخيرة وازدادت اندفاعاته مع بداية الألفية الجديدة بل إن كل الدلائل والحقائق والتطورات تشير إلى أن الحياة المعاصرة أصبحت أكثر عولمة والعالم أكثر انكماشاً والدول أكثر ارتباطاً والاقتصاد أكثر اندماجاً والثقافات أكثر انفتاحاً والبشرية أكثر التصاقاً وأكثر وعياً بانتمائها لكوكب واحد00



ايجابيات العولمة

يرى الاقتصاديون أن العولمة تشجع التنافس الاقتصادي وان هذا التنافس يؤدي ليس فقط إلى تحسين كفاءة المتفوقين في الإنتاج وتطوير من هم بمستوى أدنى، بل انه يصب أيضا في مصلحة المواطن، بان يقدم له السلعة بأفضل نوعية وبأقل ثمن، وأنها ستؤدي إلى تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي والصحي والخدمي في مجالات الحياة كافة، تفضي بالنتيجة إلى أن تجعل الإنسان يعيش حياة مريحة أو مرفهة وصحة جيدة وعمرا أطول.

ويرى آخرون أن العولمة تؤدي إلى تسريع تطبيقات جديدة في الثقافة الحديثة، وتعمل على أن تجعل العالم يعيش ولادة شيء جديد في كل دقيقة، يفضي بالضرورة إلى خدمة الإنسان، وربما كانت أفضل ايجابية للعولمة أنها تقضي على الشمولية والسلطوية التي تعاني منها الشعوب النامية، وتعمل على اشعاعة الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان، وأنها تجعل العلم والمعرفة والثقافة والفن والأدب في متناول الجميع، وتمكن الناس من الحصول عليها بأيسر السبل وأسهلها، وان العولمة توفر الفرصة لتحرير الإنسانية بما ينتجه من تفاعل بين الثقافات، وتمنح كل إنسان الخيار الذي يناسبه في استثمار قدراته وقابليته في الميدان الذي يرغب فيه، وتقضي بذلك على هدر الطاقات البشرية التي تموت مع أصحابها من دون أن ينتفعوا بها.

وفي الجانب النفسي، ستعمل العولمة على تحويل الشعور، بالانتماء من حالة خاصة (تعصب لقبيلة، مجتمع، وطن....) إلى حالة عامة، وهي الإنسانية، الذي يفضي بالنتيجة إلى خفض العداء بين المجتمعات، وتهدئة النزاعات نحو الحروب بين الدول، وتجعل من الأرض مدينة إنسانية تسمى المجتمع المدني العالمي.

وتمكن العولمة في بعدها الاقتصادي من تعزيز التواصل بين كافة المجتمعات البشرية وربطها مع بعضها . ويكمن أيضا من تقاسم المعارف والاكتشافات والتجارب في مختلف المجالات ، و الشعور المتنامي لدى الجميع بضرورة بلوغ مستويات عالية من الأداء وتعزيز الموقف التنافسي للمنظمات. ومن إيجابياتها ثقافياً تعمل على إشاعة الحريات الفردية كحرية التعبير وحرية الفكر وحرية المعتقد . والحريات العامة كحرية التنظيم وحرية الصحافة والنشر وكافة الحريات الثقافية والسياسية وغيرها . فهذه الحريات هي المرتكزات التي تقوم عليها التعددية الفكرية والسياسية وهي قوام الديمقراطية والتعددية وما تنتجه من حرية للصحافة وفصل للسلطة واستقلالية للعدالة وشفافية في تسيير الموارد العامة ، وتداول سلمي للسلطة ضمن مجتمعات آمنة ومستقرة مما يعزز نمو المجتمعات وتقدمها . ( ابراس 2006 )



سلبيات العولمة

ابرز ثلاثة مواقف مضادة للعولمة هي تلك التي يتبناها الاشتراكيون والأصوليون والقوميون، فالاشتراكيون يرون في العولمة أنها خدعة امبريالية من صنع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

فيما يرى الأصوليون أنها تسلخ الإنسان (المسلم بشكل خاص) من قيمه الدينية والأخلاقية، أو تهجينه بالقيم الغربية أو إبعاده عن قيمه الأصلية، وعن الدين الإسلامي تحديدا.

أما القوميون فيرون في العولمة أنها ستعمل على إلغاء الهوية القومية والوطنية والخصوصية المحلية، وفرض أنموذج ثقافي غربي على شعوب الأرض قاطبة، ويتفق الثلاثة على أن العولمة في جوهرها، لا تحترم الإنسان ولا تحافظ على جذوره وحضارته وتجاربه وثقافته.

ويرى المعتدلون أن تخوفات الاشتراكيين والأصوليين والقوميين مبالغ فيها، وان رفضهم للعولمة سيكون كمن يسبح ضد تيار شلال، أو كناطح صخرة بقرون من طين.

قال فرانسوا بايروا، وزير التربية والتعليم العالي الفرنسي: \" إن هدف العولمة هو تدمير الهويات القومية والثقافة القومية للشعوب\" .

قال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين: \"هدف العولمة هو إلغاء النسيج الحضاري والاجتماعي للشعوب\" (العراق، 25/3/1997). ومن هنا القضاء على الهوية الثقافية والقومية وعلى تراث الأمم والشعوب الفكرية والحضارية) .

- ومن السلبيات ازدياد معدلات البطالة، انخفاض الأجور، تدهور مستوى المعيشة، اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء ، تقليص دور الدولة في مجال الخدمات كالصحة والتعليم والإسكان والبنية التحتية الأخرى.

- سيطرت الدول الأكثر تأثيراً في العولمة على نقل التكنولوجيا إلى باقي دول العالم

- إضعاف هيبة الدول النامية وعدم قدرتها على مجاراة التطور في الدول المتقدمة .

- تهديد ثقافات الأمم والشعوب ومحاولة السيطرة على الثقافات الأخرى فهي تدعو إلى تطبيق عصر ما بعد الحداثة وإلقاء دور الدين فقد نادى الفيلسوف دجاك در يدا إلى حل المؤسسات الدينية والتعليمية .

( حمودة 2002 )

- أضعاف السيادة الوطنية في كافة المجالات التربوية والاقتصادية والسياسية والأمنية .... الخ

على أن الواقع الاقتصادي للعالم يواجهنا بحقيقة أن هناك دولاً غنية يصل فيها الدخل السنوي للفرد إلى أربعين ألف دولارً، ودولا فقيرة لا يتعدى فيها الدخل السنوي للفرد ثلاثمائة دولار.

وان الدول الصناعية الكبرى (أمريكا، اليابان، انكلترا، فرنسا، ألمانيا، كندا، وايطاليا) تتحكم الآن باقتصاد العالم عن طريق مؤسسات اقتصادية عملاقة مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية، ونادي باريس، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وغيرها من التشكيلات التي تزيد من ثراء هذه الدول، فيما تتعامل مع الدول الأخرى باسلوب (القطارة) في العطاء و (المضخة الماصة) في الأخذ.

هذا يعني أن الدول الصناعية الكبرى السبع، هي المهيمنة على اقتصاد العالم، وأنها تتحكم فيه عن طريق إصدار مشاريع وقوانين استثمار على وفق شروطها هي، فعلى سبيل المثال، يشترط البنك الدولي في منح القروض للدول الفقيرة إلغاء الضرائب الجمركية الموضوعة لحماية الاقتصاد المحلي، وخصصة المؤسسات العامة، ورفض سيطرة الحكومات على الأسعار والأجور.

ومن سلبيات العولمة أنها تعمل على إشاعة أنماط حياة وسلوكيات غريبة، تتعارض أو لا تتماشى مع أنماط الحياة والسلوكيات التقليدية الشائعة في المجتمعات الأخرى، وأنها ستتجاوز القيم القابلة للتغيير، لتستهدف الثوابت في القيم الاجتماعية للشعوب الأخرى، لاسيما العربية والإسلامية، وأنها ستعمل على عولمة ثقافة معينة من خلال سيطرتها على وسائل إعلام مؤثرة تحتكر الأداة الأحدث والمعلومة المطلوبة، وستعتمد أسلوب الإبهار والتشويق لا سيما الموجهة للشباب بهدف فرض ثقافة عالمية تفضي بالنتيجة إلى تراجع أو انحسار الثقافة الوطنية والقومية، فتتعدى بذلك على حق الشعوب في الاحتفاظ بهويتها الثقافية.

ومن سلبيات العولمة أن الإنسان فيها سيكون منشغلاً بالأمور الاقتصادية ويتراجع لديه الاهتمام بالأمور السياسية والثقافية والروحية، الأمر الذي يؤدي - نفسياً- إلى شيوع الأنانية بين الناس وحتى داخل الأسرة الواحدة، والى حصر الصراع بين الدول في دائرة المصالح الاقتصادية التي، من طبيعتها أنها لا تعير اهتماماً للقيم الأخلاقية، فضلاً عن أن العولمة ستنتج مستقبلاً (الآلة الذكية) التي تفوق الإنسان ذكاء ومهارة، ليس فقط في مجال معالجة المعلومات بسرعة ودقة، بل وفي الإبداع ايضاً.

وأخيرا، فان الأقوياء في العولمة ستضطرهم مصالحهم الاقتصادية والتنافس فيما بينهم إلى أن يتدخلوا بالقوة ضد أي مصدر تهديد أو معارض لمصالحهم فتستبدل بذلك (الدكتاتورية الوطنية) بـ(الدكتاتورية العالمية) تحت مسميات تبدو مشروعه مثل (إدارة المجتمع الدولي)، وأنها ستلجأ إلى أساليب الاستعلاء، والغطرسة والهيمنة، وتتعامل مع الآخرين على أنها (المجتمعات الغربية) أرقى منهم في السلوك المهذب والذوق والذكاء والعلم بالأمور، وأكثر إدراكا (للأحداث واستشرافاً)للمستقبل، وان يصير الجميع بأيديهم، مما يولد لدى الآخرين (لاسيما العرب والمسلمين) الشعور بالضعف والدونية، وهذا هو احد أسباب العنف أو (الإرهاب) في العالم، الذي ينظر إلى (أمريكا تحديداً) بأنها جبروت لا سبيل إلى إيقافه عند حده إلا بالعنف

* العرب والعولمة:



إن العولمة بالنسبة لنا، واقع معقد ومتناقض يختلط فيه الماضي العريق بالحاضر المتوتر وتتداخل فيه المشاعر القومية بالمشاعر الدينية وعناصر المادة بعناصر الروح، والولاءات القطرية بالولاءات القومية، ولا تتطابق فيه حدود السياسة مع حدود الأمة، ولا تستقيم فيه وفرة السكان مع ندرة الموارد ولا وفرة الموارد مع ندرة السكان.... فما مستقبل الأمة العربية في القرن الحالي؟



قبل بروز العولمة برزت مدرسة البحث عن المستقبليات: بعضها يقوم على رسم المشاهد أو السيناريوهات المستقبلية المتوقعة اعتماداً على الوقائع الراهنة دون تدخل أحد وبعضها يقوم على دراسة قدراتنا على التأثير في هذه السيناريوهات أي قدرة تطلعات الحاضر على رسم المستقبل، أي التدخل فيما سيأتي، والعولمة بكل ما تملك من طاقات الفعل والتأثير تحاول التأثير في مستقبل الكرة الأرضية. وهل نحن قادرون على صناعة مستقبلنا بغض النظر عن تأثير أرباب العقل في العالم؟



ولفهم واقع العولمة وتأثيرها علينا في العصر الحاضر وخصوصاً من الناحية التربوية، لا بد ّمن إدراك التحديات والعراقيل التي تواجهنا، ومنها :



- الابتعاد عن التعصب والتمذهب والطائفية، لأننا نملك شريان حضاري وثقافي مركزي لا بد إن تتمثل فيه التعددية والشفافية والانفتاح المعاصر.



- تنمية التفكير بوسائل تربوية متطورة تتلاقى مع روح العلم والتفكير النقدي وحرية الرأي. والتحرر من رواسب الماضي العقيم والحفاظ على ثرواته الحضارية والدينية والثقافية...

- الحاجة إلى تفكير جديد يعمل على إنتاج تاريخ جديد وتشريع جديد وتعليم جديد ومنهج جديد ... وذلك من خلال تشكيل بنى اجتماعية موحدة ومتحضرة لها القدرة على الحركة والتفاعل مع الآخرين على اختلاف مذاهبهم....



- وضع سياسات وطنية راسخة وليس شعارات وهمية خاوية تجاه الغزو بأنواعه المختلفة: الثقافية والأخلاقية....



- التفاعل بين التراث القومي والحاجات المعاصرة. والانفتاح إلى الأنظمة التربوية العالمية بطريقة هادئة وعلمية وواعية وناضجة.



- تولي السياسات التربوية المعاصرة مبدأ الثقافة الحاسوبية الاجتماعية بحيث تكون متماشية مع ثقافة حاسوبية تعليمية شاملة متكاملة.



- زرع انفتاحات داخلية واسعة الجوانب بين مختلف الاتجاهات تمارس فيها الديمقراطية الحقيقية ويتقبل كل تيار أو اتجاه الحد الأدنى من التنازل من أجل الصالح العام والواقع الراهن والمصير الواحد.



- الاهتمام بالأدمغة التربوية ومحاربة هجرتها وكسب رضاها وتوفير الفرص والحوافز أمامها للعمل وللتطوير. والحث على تنمية الفكر الإبداعي في التربية من خلال خلق الوسط العلمي وتطوير بيئة البحث (الموارد البشرية، المادية، التفاعل المهني، التواصل الاجتماعي....)



- رصد ميزانية من الدخل القومي والوطني للتطوير التربوي والبحث العلمي الحقيقي لإنعاش الاقتصاد وتطويره. لان \"التربية ثروة واستثمار\".

- المحافظة على الهوية العربية. فلكل أمة هوية ومهما أصاب هذه الهوية من تطور في نظراتها الجزئية بما يتلاءم مع قوانين التبدل والتغير فإنها تبقى الأساس في تحديد النظم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية العامة لتلك الأمة، والتربية جزء من أية هوية وفق احتياجات التلاؤم مع غايات الحياة المقصودة في كل عصر، تعمل مع الوضع الطبيعي على تأصيل وترسيخ قيم ومثل وأنماط السلوك المحددة .



- ظاهرة التكيف والعولمة: أثارت انقساماً بين المفكرين والدارسين في العالم. فالبعض يعتبر العولمة نعمة تجلب معها الثروات والنمو الاقتصادي والتطور والحضارة فيما يحذر الآخرين من أنها نقمة تشكل خطراً عظيماً متفاقماً على الاستقرار الاجتماعي والمكاسب والبيئة الطبيعية. وبين حدود النعمة والنقمة، أي طرفي النقيض للتكيف والعولمة. وقد برزت مواقف تحاول أن تجمع بين فضائل الاستعجال نحو السوق والانفتاح وحسنات البناء تحت حماية الحضارة والتراث والصفات الخاصة لكل جماعة ورأفتها والتوجه نحو الذات والأصول.









*أثر العولمة على الأردن اقتصادياً كنموذج من الدول النامية :-

لقد تعاملت الأردن بايجابية مع ظاهرة العولمة وأدى التقدم الهائل في تكنلوجيا المعلومات والاتصالات لا سيما في السنوات القليلة الماضية الى الفوائد من العولمة والانفتاح فأشارت مقالة في جريدة الرأي العدد 13545 بتاريخ 4 تشرين ثاني 2007 لدراسة أجرتها شركة A.T.kearney بالتعاون مع مجلة Foreicn Policy الأمريكية أن الأردن الأول عربياً والتاسع عالمياً في الاستجابة لمتطلبات العولمة والعاشر في جذب الاستثمارات من بين دول العالم التي أجريت عليها الدراسة وعددها 27 دولة لهذا العام .



لقد أدى سعي الأردن لتحرير التجارة الخارجية إلى زيادة الاستثمارات بمعدلات مرتفعة مع تنامي حجم الواردات كنتيجة لانفتاح الأسواق ، خصوصاً منذ عام 1996 ، في الوقت الذي لم يبذل فيه جهد كاف لزيادة الصادرات ، وكانت النتيجة ما يعانيه الاقتصاد الأردني من تزايد العجز في الميزان التجاري ، ففي عام 1998/1999 زادت واردات الأردن بمعدل 23% عن العام السابق ، وانخفضت الصادرات في الفترة نفسها بما يعادل 19% ، فماساهم في عجز ميزان المدفوعات الأردني وبالتالي انخفاض سعر الدينار الأردني . ( السعيد 2003 ) وأكدت أقوى الدراسات انه نتج عن الحالة الاقتصادية ثمرة إعادة الهيكلة وما يتبعها من خصخصة إلى ارتفاع معدل البطالة لإجمالي قوة العمل من 2,3% عام 1960 ليصل إلى 15% عام 1990 . ( هنداوي 2000 )

كما سعى الأردن لتوفير بيئة حاضنة للاستثمارات وعلى كل المستويات استجابة لمتطلبات العصر والتقدم في مجال المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات ، وذلك بإزالة العقبات أمام الاستثمارات بعدة وسائل ، من خلال سن قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .







وتجربة الأردن لا زالت في بداياتها ولكن خطاها كانت سريعة وثابتة ، ويتبين ذلك من خلال الأمور التالية :

- توقيع العديد من الاتفاقيات التربوية والتعليمية المتعلقة بالمناهج وطرق التدريس والتدخل في قوانين وزارة التربية والتعليم والسياسات التربوية والتعليم بشكل عام

- انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية .

- توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات للتجارة الحرة بين الأردن وعدد من الدول والجهات الدولية والاقليمية

- سن قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .

- وجود إصلاحات اقتصادية في الاقتصاد الأردني في مختلف القطاعات مثل : الاتصالات والسياحة ، والطيران ، وتكنولوجيا المعلومات .

- إنشاء مؤسسة تنمية الصادرات والمراكز التجارية الأردنية ، والتي توفر كافة المعلومات عن الاتفاقيات الاقتصادية التي توقعها الأردن مع باقي دول العالم ، من خلال وجود قاعدة بيانات لذلك يمكن الوصول إليها من خلال الإنترنت من أجل توفير المعلومات لرجال الأعمال الأردنيين والمستثمرين من مختلف دول العالم .

- وجود بعض التشريعات رغم قلتها مقارنة مع الدول المتقدمة حول حقوق الملكية الفكرية والتجارة الالكترونية . ولكنه أفضل بكثير من باقي دول العالم الثلث .

- تفعيل دور مؤسسة الاستثمار لترويج الاستثمار في الأردن .

- تقديم التسهيلات والاعفاءات الضريبية لمختلف الصناعات والاستثمارات .

- إعطاء المستثمر غير الأردني الحق بإخراج أمواله من أرباح وعوائد وأجور ومكافأآت خارج الأردن .

- تقديم الحوافز والتسهيلات فيما يخص المشاريع المشتركة وذلك ايمانا بدورها في الصمود بوجه التحديات .

- إشراك القطاع الخاص في اتخاذ القرارات فيما يخص قوانين الاستثمار بالتنسيق والتعاون مع القطاع العام ، وذلك لتلبي متطلبات منظمات الأعمال الأردنية والخصخصة التي فرضته العولمة .

* الخلاصة

باتت العولمة واقعاً لا مفر من التعامل معه، فليست هي بالفجر البازغ ولا بالفخ الخادع. وعلى عاتقنا تقع مسؤولية العيش في ظل ما تفرض من قيود وما تتيحه من فرص. ومن هنا شاع واقع \"سوق العولمة\" وتأثير تجارة المعرفة والتعليم والتعلم على التربية، فبدأت المدارس التربوية تتسابق في تسويق مبادئها وقيمها وأعمالها في عالم تربوي متغير. وأصبح سوق العولمة يتجول في العالم لينقل فكره لمنفعته وإنتاجيته وتجارته وعالمة الخاص.



فالعالم قرية صغيرة Global Village فلا بدّ من أن يكون متماسكاً ومترابطاً ضمن أسس تربوية ثابتة وحقيقية. وهكذا نرى إيجابيات وسلبيات العولمة وتأثيره على التربية.



وان العولمة لتتحقق وترتبط مع التربية المعاصرة لبيئتنا ومجتمعنا أن كانت ضمن \"التبني والتكيف\" ADOPT & ADAPT ، كلُ حسب بيئته وقناعاته وعدم \"التقنص\" الواحد للآخر وعدم تبعية هذا لذاك، فلكل مجتمع بيئته السليمة وتربيته العظيمة وتراثه المجيد وغناه الفريد وكنوزه الثمينة.

لا شك أن العولمة ظاهرة متعددة الأوجه ومعقدة للغاية ، ومن الصعب الإحاطة بها من خلال دراسة أو بحث أو مقالة مهما كانت ، وحاولنا في هذا البحث الوقوف على بعض جوانبها التي نأمل من خلالها إعطاء تصورا مرنا،مبسطا ،و كافيا، وبما يحقق أهداف الدراسة

ولا بد لنا من فهم العولمة بشكل منطقي وواقعي حتى لا نقع في متاهات تحد من قدرتنا . مع عدم التهوين بجوانبها المختلفة سلبيةً كانت أم ايجابية . وليس من الضروري أن نندمج أو ننعزل عن النظام العالمي ، فكلا الأمرين ليس عملي وضار اقتصادياً وسياسياً

والأهم هو كيف نتعامل مع العولمة بشكل ايجابي ، وكيف نستفيد مما تتيحه لنا ونحد من مخاطرها علينا ؟ اذاً ليست القضية أن ننفتح أو لا ننفتح بل هي متى ننفتح؟ وكيف وفي أي مجال ننفتح ؟ ويجب أن يكون ايجابياً وبمعايير ثابتة وذلك للارتقاء ببلادنا مع الحفاظ على استقلالنا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . ويتم ذلك من خلال توفير مجموعة من التشريعات القادرة على تنظيم العمل في ظل العولمة ، وتوفير كفاءات مدربة ثقافياً واقتصادياً وتكنولوجياً وادارياً . حتى نحافظ على استقلالنا وهويتنا الثقافية والاجتماعية .

ونحن مطالبون ببناء امكانيات مادية وتكنولوجية وبشرية ، حتى نساير ركب الدول المتقدمة والتي تمثل دول العولمة حالياً والأكثر تأثيراً في العولمة.

الاستنتاجات:

- ليس هناك تعريف شامل أو يتمتع بالقبول الجماهيري .

- وجود ايجابيات وسلبيات للعولمة سواء كان ذلك على الدول النامية أو المتقدمة.

- وجود تأثير كبير للعولمة على النظام التربوي ككل .

- العولمة ليست ظاهرة اقتصادية فقط ، وانما هي ايضاً سياسية واجتماعية وتربوية وثقافية وتكنولوجية .

- عدم المقدرة لدول العالم العيش منعزلة عن هذه الظاهرة .

- الاردن إحدى الدول التي أثرت بها العولمة ايجابياً اكثر منه سلبياً .





التوصيات :

- ضرورة التعامل مع ظاهرة العولمة وعدم مقاطعتها ولكن بحذر شديد .

- بناء الدولة على نظام المؤسسية لتسهيل التعامل مع ظاهرة العولمة " دولة المؤسسات" .

- تهيئة الفرد في" ادارة المورد البشري " دول العالم النامية ومنها الأردن للتعايش والبقاء في ظل هذه الظروف والمعطيات .

- توفير المعلومات اللازمة والضرورية ، وخاصة المتعلقة بادارة المورد البشري بكافة القطاعات من أجل التطوير

- المواءمة ما بين التقنيات الادارية وواقع البيئة العربية .

- القبول بالرأي والرأي الأخر – أسلوب التفكير النسبي – لغايات اقبال القطاع الخاص وتشجيعه لأخذ دور في كافة مناحي الحياة

مراجع البحث

المراجع العربية

1- الكتب

- سكلر ، عدم المساواة في المعلومات : الأزمة الاجتماعية العميقة في أمريكا 1996 . ص 22-48 .

- السعيد مصطفى ، ( الاقتصاد المصري وتحديات الأوضاع الراهنة ) ، القاهرة ، دار الشروق ، 2003 . 35-44 .

- جامعة آل البيت ،( العرب والتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية للعولمة) ، تعقيب عادل رشيد ، 2000 . 56-71 .

2 - الدوريات

- ابراس ابراهيم ، ( مجلة الفسطاط التاريخية ) . كانون الأول ، 2006 .

- السيد الخضري عبدالمنعم علي ، ( مجلة المستقبل الاسلامي ) ، عددها الصادر في 24 / 9 / 2004 .

- ولد سيدي محمد المصطفى ، ( المعرفة ملفات خاصة 1-2 ، تأثير منظمة التجارة الدولية على الاقتصاد العالمي ) ، 2001 .

- المنياوي ، ( نقلاً عن تقرير المجلس القومي للانتاج والشؤون الاقتصادية المصري ) ، عرض في 17 / 3 / 2002 .

- حمودة عبدالعزيز ، ( الثقافة اختيار الثقافة القومية ) ، مجلة الأهرام 15 / 1 / 2002 .

- هنداوي محمد حافظ ، ( دراسة مقارنة لتمويل التعليم الجامعي في مصر وبرطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ) ، مجلة كلية التربية بدمياط ، الجزء الأول ، العدد الرابع والثلاثون ، جامعة المنصورة ، 2000 .

- الكفري مصطفى عبدالله ، جريدة الحوار المتمدن ، العدد 1148 ، 26 /3 / 2005 .



3 – مراجع أخرى :

- مقالة من موقع الدروب ، ( http : // www.eddor.com/modules/news/artical-php?stryid=oo. ) تاريخ 28 / 8 / 2006 .

- قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .

- جريدة الرأي العدد 13545 بتاريخ 4 تشرين ثاني 2007 .

- جريدة الشرق الأوسط في عددها رقم 8280 التاريخ 30 يوليو 2001

- المراجع الأجنبية

- Cashmore , Carol , Business information system and strategies , NewYork : Practice Hall , 1999 . p 41-58 .

- Halsey , A . H , & others , Education , Culture , Economy , Society , Oxford : Oxford University Press , 1997 . p 16-27 .

- IMF Staff , Globalization Threator Opportunity , April 12 , 2002 , www . imf org . p71-83 .

مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة السادسة: العدد 39: خريف 2008 - 6th Year: Issue 39 Autumn